الحديقة السرية
تأليف: محمّد القيسي
يظل العاشق مجهولاً، مجهولاً يظل اسمه في تخطيطات الرؤى ومقتطفات الرسائل، لم يوقع على لطيفة، أو يخلف في الأوراق إمضاءٍ أو إشارة إليه. غاب كشعاع بعد أن قطف الأغنية، وغطّاه النسيان، فلا يعرفه أحد، مثلما لا أعرفه أنا نفسي، منسق هذه الأوراق. مع ذلك كان يخشى على تخطيطاته هذه أن تضيع في الأحراش لو ظلت معه، فلا تقر إليها روح قارئه: لربما قايض الغياب في الغابة، بالحضور في الورق. حدث ذلك ذات شمس غائمة. وذات مساء مشى في الصحراء ولم يعد، بعد أن ترك بدوره فوق سرير المغني الجوّال، في غرفتهما المشتركة في المدينة البعيدة مفتاحه، وخاصته من أكياس ورقية، وأشياء أخرى، بينها كانت رؤى العاشق وتخطيطاته الأولى، محفوفة بالإشارات والتعازيم والأدعية وذهب. فهل كان يريد من المغني أن يقول هو مواويلها وصور بلاغتها الأولى؟ حتى إذا عاد المغني من تجواله، فاجأه كل هذا طويلاً تأمل الغائب وغاص في الكآبة، ركض وحيداً تحت سقف هذه الرؤى، وجال في منحنيات أقواسها حتى بكى، وحط قله في جنباتها.
بعد ذلك، طاف في الإنجاد والقرى صيغين كاملين، فما عزله على أثر، ولا ارتاح في السؤال، إلى أن شارف اليأس قلبه، فعاد إلى الورق، وشف في الإشارات، عناقاً وحلولاً، وقد تماثل في المكتوب. هل مرّ ليل طويل، وفصول عدة من ضنى التجوال والبحث، قبل أن يغيب هو بدوره في مسار لا عودة منه، ويصير غليّ، ارث العاشق والصائغ والمغني الجوال، فأذهب إلى تفكيك كل ذلك، وأرى رغبة هذا المغني الجوّال في أن أكون صوته المكتوب في الحديقة! لماذا حطّ في طريقي كل أحماله، ولدى عنانه في القمة، وما انتظر سؤال!... اسألني: أكون أن العاشق صاحب هذه الرؤى، أم أنني المغني الجوّال نفسه". لغة روائية جديدة متجددة تشد القارئ إليها، قبل أن يشده مضمونها، لما فيها من موسيقى وإيقاع يتموج مع الموقف لحظة بلحظة، وبدون عناء يذكر، وبحس وكأنه يقابل هذه اللغة للمرة الأولى.
حدد الخيارات