وجوه
تأليف: محمد شكري
من حسن حظي أني لم أحب أية امرأة لعينة حتى تقهرني: لا قاهر ولا مقهور. لقد أحببتهن من بعيد. لا يهمني أن يبادلنني حبي لهن. عندما تبدأ امرأة تبادلني الحب عن قرب وجدية العشرة معها فإنها الكارثة هي التي تبدأ. أن أحبهن بعيداً عني، بعيداً عني، وأن يحببنني بعيداً عنهن، بعيداً عنهن: أن يكون بيننا الحنين الذي قد يخلق لنا ذلك الحب إن هو وُجد. لا أحب امرأة أقدسها في المساء لكي ألعنها في الصباح كما يفعل أكثر الملاعين. إن كل شرح لهذه الأسطورة يظل أقل من قيمتها، وهي أيضاً حليفتنا في تناقضاتنا وأكثر صموداً منا في إيهامنا بوجودها. أما أنا فما برحت أكابد من أجل أن أحب نفسي وأقهر هواجسي الحمقاء الخبيثة.
الليل ليس دائماً مقدساً: إنه التأمل الذي أرّق نيتشه وجعله يحز أصابعه بموسى أو يحرقها على لهيب شمعة ليتحدى قلقه وألمه. إنه الهذيان الذي أنهك لوتريامون بعد أن يكون قد شرب عشرين فنجاناً من القهوة الكثيفة ولا أحد كان يستطيع إيقافه راكضاً في شوارع باريس. إنه الجنون الإنساني الذي عجل موت فان غوغ...
الليل هو الطهر أو الدنس، الحلم أو الكابوس، المسالمة أو الجريمة.
الليل لا يشفق على أحد. عليك أن تشفق على نفسك فيه وتعرف ما تريد أن تكون فيه.
محمد شكري روائي مغربي (1935-2003) وواحد من أكثر المؤلفين إثارة للجدل في شمال إفريقيا. صدر له عن دار الساقي: "الخبز الحافي"، "الشطار"، "وجوه".