غروب وكتابة
تأليف: هيفاء بيطار
في كل مجموعة قصصية تخطُّها د. "هيفاء بيطار" نكتشف معانٍ للحياة أكثر عمقاً وأوضح رؤية، في "غروب وكتابة" قراءات لحالات إنسانية، هي أشبه بارتحالات متفاوتة المسافات تقترب فيها الأديبة من الشخصية لتكشف لنا ما تخبئه الذات البشرية، فتعرِّيها برفق وتتكلم بلسانها، ثم ما نلبث أن نعرف أنها تريد أن تبعث لنا برسالة توقظنا بها من غفلتنا، وتأخذنا إلى بر الأمان، وتجعلنا نختار أمراً من اثنين، إما أن نتصالح مع ذواتنا ونتقبل الحياة كما هي بحلوها ومرها، أو أن نختار التمرد والتغيير، وهذا حال المرأة العربية التي رسمت لها الأعراف والتقاليد صورة المرأة المطيعة والمتفانية والمخلصة في خدمة الزوج والأولاد، ولكن لا تلبث في بعض الحالات أن تصدمها الحياة بقسوتها وزيفها، كما في قصة "امرأة من غيم" وهي إحدى قصصها الرائعة في هذه المجموعة اختارت هذه المرأة أن تبقى وحيدة كغيمة تشبهها تماماً كما تقول، بعد أن قرر زوجها أن يبدأ حياته من جديد في منتصف عمره "فرفيق عمرها تنكّر لها وصار يتنقل من عشيقة إلى عشيقة" وهنا تقف المرأة حائرة "فجأة سقطت الجمرة عن سطح القرص، منبهة إياها لحقيقة ظلت غامضة عنها طول حياتها، إذ إن أهم قيمة في حياتها هي الخوف من الناس ومهابة العادات والتقاليد، فكرامتها الجريحة بعد خيانات زوجها تدفعها لطلب الطلاق، لكن (...)". أما في قصة "إلى روح أحمد" تنبِّه الأديبة إلى أهمية الرقابة على أرواح البشر في المستشفيات الحكومية في غالبية البلدان العربية، فالإهمال والاستهتار بحياة البشر بات سمة في مستشفيات الطبقة المتوسطة والفقيرة. "مات فريد في العشرين بسبب خطأ طبي، ميتة تافهة، فقد دخل المستشفى لتُجرى له عملية بواسير، المستشفى الوطني البائس لا يهتم بتعقيم الأدوات الجراحية ربما من فرط إيمان العاملين به بالعناية الإلهية، لا يعقمون الأدوات! تجرثم دم فريد بعد العملية ولم يتمكن الأطباء من إنقاذه فمات بعد ثلاثة أيام من العمل الجراحي". أما في "غروب وكتابة" تحاول أديبتنا أن تقرع الأجراس لتقول لكل إنسان أن لا معنى للحياة إذا لم نضع فيها بصمة تميزنا عن غيرنا، وأن انتظار المجهول لا يجدي نفعاً "يغويني فن الكلام، أعرف أن كل ما أقوم به له غاية أساسية هي تمويه إحساسي أنه ليس لي دور في الحياة، فأيامي تتعاقب كرقّاص الساعة، لا تسجل ماضيها ولا تحلم بمستقبل (...) عنوان حياتي الانتظار، هناك شيء أجهله أشعر أن بوسعي انتظاره إلى الأبد حتى علاقتي مع الناس حولي انتظار...". مجموعة قصصية ممتعة وهادفة في آن، أكثر من عشرين حكاية في عملها الروائي هذا جميعها تصور حال الاغتراب المرّة التي باتت تحتل مساحة شاسعة في الروح العربية، هي حال حساسة ومقلقة، أن يغترب الإنسان عن ذاته وعن مجتمعه مما يهدِّد بناء الأسرة العربية، والتي يجب المحافظة عليها لبناء مجتمع سليم له خصوصيته وقيمه التي تميِّزه عن حضارات زائفة، وضرورة إعادة بناء الشخصية العربية بشكل جديد يرتقي قولاً وفعلاً عن هذه الفوضى التي باتت نمطاً فكرياً في عالمنا المعاصر.
حدد الخيارات