يا حادي العيس
تأليف: سعد سعيد
تريدون أن تقتلوا، حسنا انا لا أستطيع ان افعل شيئا، فأنتم الذين تسنون القوانين، بل أنتم القانون نفسه، إقتلوا إذا حتى تشبعوا، ولكن ماذا عن الأحياء، لِمَ يعيش أغلبهم تحت مستوى الفقر وهم يعيشون ويمشون ويتناسلون، فوق أرض هي اغنى ما يمكن أن توهب لمجموعة من البشر، عجيب... في ديرة كانت طوال عمرها قبلة أنظار الطامعين لفرط غناها وفحش ثرائها، تجد الحاجة والعوز والفاقه، بل تلمسها، وتعيش معها... يقولون أن في الديرة لا يموت أحد جوعا، الا ليتهم يموتون، أتتصورون أن تلك الحياة تستحق أن تعاش، أن تموت من الحسد وأنت ترى غيرك يتمتع بكل ما حرمت منه... أن تقضي لياليك مسهدا ونيران الغيرة والحنق والشعور بالظلم تتناوب على روحك حتى تشبعها كيّا... تقضون حياتكم وأنتم تتشدقون بالمثل والمبادئ وتتحدثون عن الأخلاق التي تبني الديرات، ياللروعة، ألم تكتشفوا أن الأخلاق إختراع برجوازي لا يمت للفقر بصلة، أتريدون من الفقراء أن يطعموا أولادهم مبادئا وأن يكسوهم بالقيم، هيا، كنت أتصوركم أذكى، ولكن يبدو أن الطمع قد أعمى عقولكم مثلما أغلظ مشاعركم، هذا إن كنتم تمتلكونها أساسا... تصوروا أن ديرة تبجح شاعرها بكرم أهلها إلى حد يدعي فيه أنهم لا يلبسون خدمهم أسمالا، تفاجأ فيها بدموع الإمتنان تنهمر من عيني فقير لمجرد أنك تنازلت له عن ثوب قديم بال تخجل أن تلبسه، ولو منحته معها دانقا أو إثنين أو عشرة، لجعل من كل دانق درجة سلم يرقيك به إلى مستوى أعلى من مستوى ذلك الرجل الذي ذبح حصانه الوحيد ليكرم ضيفه... إيه يا ديرة العجائب، يقولون أن من سكن "المزاغة" فقد ضمن لقمة العيش، ولكن ليست كل لقمة محمودة، فمن اللقمات ما تبعث على الكفر والتجديف، وفيك نرى بضعة مئات من آلاف البشر، ولعلهم ملايين، لا يعرفون من أصناف الطعام غير دقيق القمح، فكسرة خبز في الصباح تزدرد مع قليل من الشاي للفطور، ومن بعدها يأتي دور الثريد، وأي ثريد، كسرات أخرى من خبز تطوف في ماء خدع بقليل من معجون الطماطم ليتصور نفسه مرقا... (مرقة هواء) يا مارقون... (مرقة هواء)، عسى أن يحرمكم الله من نقي الهواء، لأن أكل هؤلاء للهواء هو ذنبكم أنتم... هواء للغداء، أما العشاء، هيا يارجل لا تكن طماعا، ألا يكفيكم وجبتين في اليوم، من تتصورون أنفسكم، علية القوم...علية الـ... وأنتم يا علية الـ، قوم، أتعرفون أن هؤلاء تسير حياتهم مع الدقيق، (طحين، طحين، طحين) هم حتى عندما يريدون حلوى يرفهون بها عن أنفسهم المتخمة بألم الحاجة، فإنهم يلطخون كسرات خبز بسمن رخيص، ثم يقلونه ويحلونه بالسكر، فيخدعون أنفسهم بـ(بقلاوة عمورية) يا لبؤس العمورية ببقلاوتها هذه... (بقلاوة عمورية) من أين يأتون بهذه الأسماء، (بقلاوة عمورية) و(مرقة هواء) و، و... (محروق إصبعه) نعم محروق أصبعه يا محروقي الـ، لا لن أقول أجدادكم لأني أعرفكم، فانتم لن تهتموا لذلك، بل ساقول يا محروقي الأموال المكتنزة فهذا ما يؤثر بكم بالفعل، (محروق إصبعه) لأن الطفل المتلهف لمداراة جوعه، لن يصبر حتى يبرد طعامه، بل سيهجم على المقلاة بلهفة، فتحترق أصابعه بالخبز الحار... (طحين، طحين، طحين) حيوات بأكملها تمضي بصحبة الدقيق والملح والماء، وقليل من الخميرة، هذا كل أكلهم، وإياكم أن تسألوهم عن (البروتين) فمن يدري، لعلهم سيتصورونها كلمة نابية، وعندها قد يحدث لكم ما لا تحمد عقباه، لأنهم لن يهمهم شئ وهم يعيشون في الأعقاب أصلا... أسألتم أنفسكم يوما وأنتم (تتطوعنون) و (تتزقنبون) بكل ما لذ وطاب، عمّ يأكلون، أنا لا أعتقد، بل أنا على يقين من ذلك لأن من لا يهتم لحياة الآخرين، لن يهتم بم يقتاتون... تصوروا، ديرة عجزت الأساطير عن وصف غناها، تجد فيها نساء لا يعرفن أن المرأة لا يتوجب عليها أن تعمل من قبل شروق الشمس وحتى بعد أن تكون قد أوت لمخدعها بوقت طويل، تجد فيها إمرأة لا تصدق أن نساء مثلها يجدن الوقت ليذهبن إلى محلات التزيين، وأن يمتعن أنفسهن بجولات تسوق طويلة يقتنين خلالها كل ما تتمناه أنفسهن، ومع ذلك يجدن الوقت إذ يعدن إلى بيوتهن، ليتابعن مسلسلا في التلفاز، او برنامجا عن الطبخ أو كيفية الإعتناء بشعورهن المنسدلة كالحرير على أكتافهن المتنعمة الناعمة... ديرة لا تحتاج دائما إلى أن تكد فيها وأن تكدح، لأنها يمكن أن تمنحك حتى إذا لم تزرع أرضها، ومع ذلك تجد فيها أطفالا يسابقون الطيور في بواكير الصباح، بمغادرة أعشاشهم البائسة، ليذرعوا الشوارع بحثا عن لقمة مدنسة... أطفال للإيجار، أطفال من مختلف الأنواع والأعمار، أطفال أصحاء ومعوقين، هيا إنتقوا منهم ما شئتم ووزعوهم على الشوارع وتقاطعات الطرق ليزيدوا ثرواتكم بالشحاذة وإستعطاف الناس، هيا إستأجروهم فلن يكلفكم ذلك دنانير أو دراهم، إن هي إلا دوانق... دوانق يا دُنُق، هيا إستأجروهم، وهلموا بهم إلى الأرصفة والشوارع لتُغتال أحلام طفولتهم في الزوايا الغادرة والمواخير القذرة، عسى أن يكون موتكم، دنيقا بنكهة الزمهرير... أتعرفون ألم الحاجة وذل السؤال... لا تعرفون، أم نسيتم... لا بأس، إنسوا، ولكن إعلموا أن لديكم جيشا في الشوارع، جيش من مشاريع لصوص ومجرمين وعاهرات... وسيأتي يوما تجدون فيه الجرأة بأنفسكم لأن تحاكموهم... يا لهول ما تجنيه أياديكم... أبهؤلاء تريدون أن تبنوا ديرتكم يا أبناء الـ، لا والله لن أكملها لأني أعرف أن الشوك يمكن أن يخرج من الورد، بل أنا أؤمن بطيبة أهل الديرة رغم أخطائهم، وخاصة العجائز والكبار منهم، ولكني لا أعرف أين رضعتم حليبكم النجس، ولا أين تلقيتم تربية الأوغاد هذه... تريدون أن تسرقوا، إسرقوا، هيا إسرقوا، إسرقوا ما شئتم، كم تحتاجون يوميا لتعيشوا حياة الأساطير والخرافات، ألف، ألفان، عشرة، مائة ألف، هيا إسرقوا ما يكفيكم لبقية حياتكم، بل ضاعفوا المبالغ التي تكنزونها، ثم حاولوا أن تكتفوا، اتعرفون كم سيتبقى عندها من ثروات الديرة، خاصة وأنكم ستكونون عندها قد أنقصتم تعداد الديرة كثيرا بفضل هواياتكم الاجرامية التي لا بد وأن تكونوا قد مارستموها طوال الوقت، سيتبقى ما يكفي الجميع، ويزيد... ولكنكم لن تفعلوا، فأنا اعرفكم يا مدمني السحت الحرام... لا، لا، أنا لا أعنيكم أنتم، أتعرفون أنتم ما هو المال أصلا، لتعرفوا السحت، لا، أنا أقصد أولئك الذين أبتليت بهم الديرة
تصنيفات: سعد-سعيد