الحضارة المصرية
تأليف: خزعل الماجدي
تنطوي الحضارة المصرية على مجموعة خصوصيات نادرة منها أنها واحدة من حضارتين أصيلتين لا سابق لهما (السومرية والمصرية)، ومنها أنها المصهر الحضاري لتراث ماقبل تاريخي ثم تاريخي ظل ينفذ منها وإليها من ثلاث قارات عملاقة هي أفريقيا وآسيا وأوربا، وهي بعد أن قامت بتصنيعه وفق مزاجها الفريد، ونتج عنه هذا التركيب الخاص، الذي حمل اسمها ولونها ورائحتها وشخصيتها أصبح منطقة إشعاع كبرى قل نظيرها، تسرب إلى العالم كله وجعله يضاء بنورها، والأهم من ذلك تلك القدرة الفريدة للحضارة المصرية على التوازن الأخلاقي وضبط الإيقاع المشترك بين كفتي الميزان الحضاري الدنيوية والدينية وجعل هذا التوازن سبباً في انسجام فريد بين هذين العالمين. الحضارة المصرية شاسعة في مظاهرها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والدينية والثقافية والعلمية والفنية، ولا نبالغ إذا قلنا بأن هذا الكتاب مرّ على هذه المظاهر بالتفاصيل الدقيقة كمعلومات وحللها وأفصح عن مكنونها الداخلي العميق، مثلما كشف الإنسجام بين هذه المظاهر عبر أكثر من مائة تفصيلة صغيرة، ولاحق الآثار الدالة عليها ولم يتطرف في تأويلها لكي يثبت أن قوتها في واقعيتها وفي الغلالة الروحية التي تحيط بها وتنفذ إلى أعماقها. اعتمد هذا الكتاب على علم الآثار بالدرجة الأولى وتقصى ما أنجزه علم المصريات خلال قرنين من الزمن عبر كفاح فريد لأساطين هذا العلم وهم يجمعون شذرات الحضارة المصرية ويعيدون ترميم مشهدها الباذخ ويستنطقون روحها الكبرى التي مازالت تنبض في شرايين حضارتنا المعاصرة. وإذا كانت الحضارة المصرية قد توارت اليوم، لكن روحها مازالت ترفرف حول هذا الكوكب، فرط خفتها وجمالها النادر ومنجزاتها النوعية، وستمضي مئات السنين دون أن تفقد هذه الحضارة بريقها الأخاذ، والمهم، دائماً وأبداً، في كيفية عرض هذه الحضارة وتقديمها للقراء. ونحن نرى أن هذا الكتاب هو واحد من أندر الكتب التي استطاعت عرضها بطريقة مشوقة وخاصة، وهو من أكثرها ملاحقة للمعلومات والتفاصيل الصغيرة فيها، وهذا ما يجعلنا نجزم بأنه سيبقى لزمن طويل جداً مصدراً مهماً من مصادر فهم وتحليل مظاهر ومكونات هذه الحضارة.