بدر شاكر السياب وريادة التجديد في الشعر العربي الحديث
تأليف: سامي سويدان
هذا شاعر لم يكن له في حياته غيرُ الكلمات يتوكّأ عليها، ويحاول أن يدرك بها "مآرب" أخرى، وأن يحقَّق طموحاته ورغباته-بما فيها الرغبات النزقة.
لقد بدا الشعر بالنسبة إليه آيةً من السحر أو النبوّة أو من اجتماعهما معاً، يأتي له بالمعجزات ويبلغه ما عجز عن الوصول إليه اجتماعيّاً وسياسيّاً وعاطفيّاً وجنسيّاً... وكان وسيلتَه لإغواء المرأة وفَتْن النساء من بدء القول حتى نهايته. وكان أداة كفاح ونضال، عصاً يؤازر بها المضطهَدين والمستضعَفين، ويقارع بها رموز الاستغلال والطغيان. وكان مرتقى مجده وتألُّقه... وملجأه في فقره وبؤسه، كما في مرضه ومواجهته للموت.
كانت الوقائع تترى تؤكّد أن زمان السحر قد انقضى، وأنَّ عصر النبوّات قد أفل. وكانت الحداثة تقضي بالقطيعة مع الفكر الدينيّ والأسطوريّ. بيد أنَّ تخلُّف المجتمعات العربيَّة من ناحية، والعزاء الذي كانت تيسّره الفكرويَّة الغيبيَّة من ناحية ثانية، أسهما إلى حدٍّ كبير في تبنِّي مثل هذه الرؤية النبويَّة، واجتراح الصيغ المختلفة في التعبير عنها إزاء ما كان يواجهه الشاعر من تحدِّيات ومعاناة، دون التنبُّه إلى خطورة هذا الموقف في تكريسه بنية فكرويّة سائدة تنتسب إلى السلطة السياسيَّة الحاكمة بقدر ما تنتسب إلى المعارضة الرجعيَّة ذات الطابع الدينيّ الغالب، نظراً إلى ما تقوم عليها جميعاً من ركائز غيبيَّة؛ وهو ما يمكن اعتباره من أبرز المفارقات التي عرفها الشاعر الحديث.