غاسل صحون يقرأ شوبنهاور
تأليف: محمّد جبعيتي
لماذا شوبِنهاور؟ ليسَ لأنّه قرّر أن يُمْضي الحياة في مُحاولة فهمِها، ولا لأنّه يستمتع بالعُزلة ليعرفَ قيمَة الحرِّيَّة - فحياة الوَحدة، كما كانَ يردّد دومًا، هي مَصيرُ كلّ الأرواح العَظيمة -؛ ليسَ لأجل هذا كلِّه، بل لأنّ نوحَ، الذي حوّل تنظير شوبنهاور إلى واقعٍ في حياتِه قبل أن يقرأه، كانَ يضعُ كتابًا لشوبنهاور بالصدفة المَحضة تَحت رأسه كوسادَة أثيرة، حينَ كانَ البَرد يلسعُ جسده المسجّى على رصيفِ الشارِع الخلفيّ للمَطعم الشعبيّ؛ المَطعم الذي يجلي فيه قَلبَه مع الصحون، والشارع الذي يُراكِم البردَ الأسود فوقَ قلبه الإسفنجة.
تَحتَ سماءِ "بقايا فلسطين" تشتبِكُ المآسي بالضَّحك المالِح، والعَرَقِ الأزرق، ورغوَةِ الصابون، وبساطيرِ الجُنود، واختِلاطِ مفاهيم الأرصِفة والأسرَّة، والهواء والأغطية، ليُشكِّل هذا كلُّه سماءً جديدةً "لا تُرى إلّا بالظّنِّ".
في مشهدٍ رأسيّ – من الأسفَل - مختَلَط من الكوميديا والتراجيديا، ومن الغرائبيّة والعوالم المتخيَّلة، يَعبُرُ نوح هوّة المُدنِ. يضعُ سماءَها المُفتعَلة في صحنٍ واسِع، ويمسِكُ بالسكِّين والقلم!
حدد الخيارات