كتاب الأمير مسالك أبواب الحديد
تأليف: واسيني الأعرج
"عندما التفت نحو المدينة الأندلسية التي كانت تتسلق مرتفعات القصبة، شعر بشيء نادر لا يحدث إلا في أيام الصيف، حيث تخبو العواصف وتفتح المدينة صدرها لشمس دافئة ثم حادة، ثم في المساء عندما تخف يبدأ سكان القصبة في رش حدائقهم وأحواشهم بالماء الممزوج بماء الزهر والحبق والنوار والتمدد تحت الليمونة التي تعرش في المراح على وقع هواء خفيف ينبعث من البحر الذي لا ينام أبداً.
شعر بثقل ما في رجليه وهو يبتعد عن المرفأ، غداً، عليه أن يحضّر نفسه لركوب السفينة التي نقلت رفاة مونسينيور ديبوش. هل سيمنحه الله الشجاعة الكافية لمغادرة هذا المكان الصعب الذي يلتصق بالذاكرة بسرعة؟
عندما التفت بالمرة الأخيرة نحو المنارة، لم ير شيئاً إلا بقايا النوارس التي ضيعت حركة الميناء أعشاشها، وهي تذهب جماعات جماعات باتجاه مباني شارع البحرية التي تدخل في عمق البحر حتى رأس البنيون، حيث لا شيء إلا بالماء والصفاء البدائي الأول.. لا أثر لأقدام البشر الحفاة أو العراة أو الذين ينتعلون الأحذية الخشنة، وذاكرة ما تزال حبيسة لا تتكلم إلا قليلاً، وعندما يخونها لسانها وتنزل أكتافها تعوي مثل الذئب الجائع وتأتي على حافة البحر وهناك تنتحر جوعاً وعطشاً.
لا شيء أبداً سوى الماء وطيور أصيبت بالرعشة والخرس فجأة. وعندما تصمت الطيور والنوارس التي تبحث باستماتة عن أعشاشها عميقاً في مداخل منارة الميناء القديمة، وتهزم عيونها الصغيرة وسط الظلمة وأشعة الشمس المنكسرة، هذا يعني أن شيئاً جسيماً قد حدث، أو ربما هو بصد الحدوث".
كتاب الأمير مسالك أبواب الحديد هو أول رواية عن الأمير عبد القادر. لا تقول التاريخ لأنه ليس هاجسها، لا تتقصى الأحداث والوقائع لاختبارها، فليس ذلك من مهامها الأساسية. تستند فقط على المادة التاريخية، وتدفع بها إلى قول ما لا يستطيع التاريخ قوله. تستمع إلى أنين الناس وأفراحهم وإنكساراتهم، إلى وقع خطى مونسينيور ديبوش، قس الجزائر الكبير، وهو يركض باستماتة بين غرفة الشعب بباريس وبيته للدفاع عن الأمير السجين بأمبواز. رواية كتاب الأمير، فوق كل هذا، درس في حوار الحضارات ومحاورة كبيرة بين المسيحية والإسلام، بين ألأمير من جهة ومونسنيور ديبوش من جهة ثانية.