تحولات النخبة الفلسطينية : مراجعات في التاريخ والهوية

في 14 أيار/ مايو 1948 ، أي قبل خمسة وسبعين عاما، وقف دافيد بن غوريون بكل صلافة وفجور في قاعة متحف تل أبيب حيث صورة تيودور هيرتسل تطل على أعضاء الجمعية التأسيسية اليهودية ليقرأ "وثيقة الاستقلال" ويعلن قيام دولة إسرائيل وهذا الحدث الخطير قلب الواقع السياسي والحيواستراتيجي في المشرق العربي رأسًا على عقب، وخلق تحديا للعرب لا سابق له.

انتشر الفلسطينيون في جميع أرجاء المشرق العربي، وفقدوا ترابطهم البشري والعيش على أرض واحدة. وهذه الحال أعاقت تكوين هوية وطنية فلسطينية جامعة وفي معمعان ذاك الهول الإنساني والهلع الوجودي، صار المنفى هو هوية الفلسطينيين اللاجئين، وبات المخيم هو مكان الفلسطيني. لكن المكان في التراجيديا الفلسطينية ليس هو المكان الملموس، أي المخيم بل المكان المفقود، أي فلسطين. ومن المحال استرجاع المكان المفقود إلا بالتذكر؛ فالتذكر يقي الفلسطينيين رعب المحو والاندثار والذوبان.

هذا الكتاب هو تجوال فكري متشعب في بعض قضايا التاريخ الفلسطيني التي كان لها شأن في صوغ الوعي التاريخي والهوية التاريخية للفلسطينيين، ويتجرأ الكتاب على إعادة النظر في موضوعات مترابطة كالتاريخ القريب والهوية والمكان والسير الذاتية التي هي تعبير عن حضور الذات في المكان. وكل ما يتطلع إليه هذا الكتاب هو قراءة التاريخ الفلسطيني قراءة علمية ونقدية وانتمائية في الوقت نفسه، وأن يتمكن من إثارة الأسئلة العلمية والنقاش المنهجي مع بعض المؤرخين الفلسطينيين ممن امتازوا بغزارة الانتاج وهزال المعرفة، وتميزوا، للأسف بالتكرار الذي لا حدود له في السرد والعرض وصوغ الحكايات عن ماضي لا يمضي أبدا.