جغرافية الملذات : الجنس في الجنة
تأليف: ابراهيم محمود
فوق رغبات الواقع المعيش رغبات أخرى، وربما يكون من المستحيل تقديم سجل كشفي عن حقيقة الأخيرة دون الارتكاز إلى الأولى، وفي الوقت الذي تتضمن الرغبات مشاهد تكثف حيوات شديدة الخصوصية فإن من بينها ما يشدنا إليها، لا بل إننا في واقع الأمر مأهولون بها، وربما كانت تصلنا بما هو مفارق لنا . هنا تبرز لائحة الملذات، وهل في الإمكان تجاهل الملذات، دون فقدان توازننا الحيوي والقيمي؟ منذ متى مسند كانت الملذات تحيلنا عليها ؟ منذ متى دخلت الملذات في مكوّناتنا النفسية، وصراعاتنا، وجعلتنا ساحات مفتوحة لها كذلك؟ ثمة ما هو أبعد من الحسّي بكثير، إلى درجة الشعور الضمني والمقدر أننا نحن أنفسنا كائنات مفارقة لذواتنا البشرية، فور التذكير بـ الجنة ، ولعل الملذات بوصفها جغرافيا هائلة التنوع مهيبة باقتدار مدهشة بجلاء، ثرة المعاني، إغراءاتية طبعا ... إلخ، لعلها تتقدم بصنافة استثنائية لتوجيه البصائر إلى المتعالي إلى ما يحفز على تجاوز حدود اليومي والإسلام من خلال أدبياته الدينية وما هو . بها، والنص القرآني في الواجهة، كان له الدور الرئيس في تفعيل "إرادة الملذات في نفس المؤمن المسلم " قبل كل شيء، وإشعاره أن ليس من عمل منجز، أو نية مرتسمة في النفس، إلا ويكون هناك صدى أو مدى لملذات معينة، وعلى مستوى الموهوب الهيا، يأتي توصيفها جنتيا ، إذ المطلق في أسمائه هو ما يفكر فيه تماما، ويكون الجسد المسرح الحي لها ، وهو مأخوذ بقواه سلبا وإيجابا، ولم يدخر المعنيون بالتفسير القرآني، والذين انشغلوا بماثورات الجسد والملذات النافذة فيه على صعيد مباشر ومؤجل أخرويا، جهدا في تبيان الدور الفعال لها لاستقطاب المشاعر والأفكار وحتى الهواء الخاصة. إنها لعبة جنسانية أخرى تشغل الكون نفسه، وهي تترجم تفاوت المواقع بين كل من الرجل والمرأة بامتياز، حيث إن الجنة بما توصف به تكاد تسمّي الرجل بقواه النفسية ومآثرة الجنسية وملذاته في توجيهها، كما لو أن تفعيلها يتجاوب مع المرغوب فيه دنيويا مع فارق النسبة، والإسلام هو الحاضن الأكبر لها في عملية المنافسة القائمة هذه.